فاز الشاعر العراقي حسن النوّاب، المقيم في أستراليا بالمركز الأول في جائزة الطيب صالح، وهي توافق هذا العام في دورتها الـ 9 الذكرى العاشرة لرحيل الروائي السوداني الكبير عن رواية: «ضحكة الكوكوبارا». تسلّط الرواية «ضحكة الكوكوبارا» الضوء على امرأة لاجئة في مدينة بيرث الأسترالية، تعمل محامية ومترجمة، وتلتقي بلاجئ عراقي كان جندياً في الحرب، يودعها مذكراته نتيجة تعرضه لانتكاسة صحية خطيرة، وتكتشف في مذكراته مالم تكن تتوقعه، فيبدأ صراعها الموجع مع لغز مذكرات الجندي الذي هو في غيبوبة في أحد المشافي، وتتمنى صحوته حتى تعرف منه حقائق خطيرة كانت غائبة عنها.

عن تفاصيل هذه الرواية، كان هذا الحوار مع الروائي والشاعر العراقي حسن النوّاب:
* ليست رواية «ضحكة الكوكوبارا» روايتك الأولى، فقد سبقتها «حياة باسلة»؟
** أجل صدرت روايتي الأولى «حياة باسلة» عن دار العين المصرية في عام 2012 ورشحت لجائزة البوكر العربية في حينها؛ وكانت ردود الأفعال عن الرواية من قبل النقّاد والقرّاء رائعة، الأمر الذي شجعني لكتابة روايتي الثانية، وبحوزتي رواية ثالثة مخطوطة، ورابعة أكتب فيها الآن.
* اختيار روايتك من بين عدد كبير من الروايات، ما هي مميزات هذا العمل في نظرك؟
** جنونها؛ وحرارة الفكرة ولغزها المحيّر؛ فالقارئ سيبقى متعلقاً مع أحداثها حتى السطر الأخير؛ أعتقد أني نجحت بتوريط القارئ بحبكة الرواية؛ التي كلما اقتربت من الحل؛ تعقدت أكثر؛ لقد حرصت على كتابة الرواية بشاعرية متوهجة مشحونة بحزمة من التساؤلات التي لا تنتهي.

الطائر الساخر
* كيف استوحيت روايتك الفائزة «ضحكة الكوكوبارا»؟
** استلهمت فكرة روايتي الفائزة من طائر شهير في أستراليا؛ يدعى طائر الكوكوبارا؛ فهذا الطائر يطلق تغريدة غريبة تشبه ضحكة هازئة للإنسان؛ يطلقها في كل فجر وعند مغيب الشمس؛ وكنت أشعر أنَّ ضحكته صرخة احتجاج بوجه العالم؛ أو سخرية من هذه البشرية التي تركض في مسارب الحياة بحثاً عن الزاد؛ كأنها تهزأ من هذا العالم الغارق بالغرائب العجيبة وأطماعه وحروبه ‏المدمرة، وأحياناً أشعر أن ضحكته صرخة احتجاج بوجه الأنظمة ‏المستبدّة التي أمعنت في تعذيب الإنسان الأعزل.‏ والمفارقة أني كنت أظن أنَّ هذه الضحكة يطلقها جارنا عندما يثمل وقت مغيب الشمس؛ حتى نبهتني ابنتي أنَّ طائر الكوكوبارا هو من يطلق هذه الضحكة العجيبة. وأشهر أغنية للأطفال هنا في أستراليا عن هذا الطائر الغريب.

* هذه ليست الجائزة الأولى التي تفوز بها فقد سبقتها جائزة في الشعر والصحافة؟
** حصلت من قبل على جوائز مهمة؛ منها جائزة أفضل عمود صحفي من الجامعة العربية في يوم الإعلام العربي؛ وجائزة الشعر في مسابقة ديوان شرق- غرب وغيرها من الجوائز، غير أن أهداف مشروعي السردي ما زالت في خطواتها الأولى، وأسعى إلى انتشار أوسع بحكم إقامتي في أستراليا، وتمكني من اللغة الإنجليزية، لكن أقول بصراحة إنَّ هذه الجائزة تلقي على عاتقي مسؤولية كبيرة في الكتابة الروائية؛ ولا بدَّ أنْ أتريث طويلاً قبل إصدار روايتي القادمة.

الشعر والرواية
* لماذا اتجه الشعراء إلى كتابة الرواية مؤخراً وهل تعتقد أنهم يبرعون فيها أو برعوا، وأنت معروف كشاعر؟
** هناك قول روسي شهير يردده الشعراء في موسكو؛ أي شاعرٍ لن يكون شاعراً إلاَّ إذا كتب رواية؛ الشاعر عندما يقدم على كتابة الرواية؛ إنما يضع موهبته أمام اختبار عسير وصعب؛ هو أشبه بصراع في حقل سراب؛ لكنه يأمل بتجميع شربة ماء منه؛ ولذا كان القليل منهم الذي تمكن من الارتواء من حقل السراب هذا؛ أجل حتى تعرف حجم موهبتك الشعرية؛ لابد من كتابة رواية؛ معظم الروايات التي كتبها الشعراء؛ تجدها بخيلة في الوصف وتنأى عنهُ؛ لكنها مكتنزة بالمعنى والحبكة وغارقة بالوجع والأسى.

* ما الذي يجعل الرواية العربية تحوز قراءة واسعة، والساذجة منها الأكثر انتشاراً؟
** هناك روايات تحصل على شهرة واسعة؛ لكنها سرعان ما تختفي؛ فهي أشبه بفقاعات الصابون التي تجذب الناظر لأول وهلة؛ بيد إنها تتلاشى مع أول هبَّة ريح؛ الروايات الساذجة ما هي إلا وقود للروايات الناضجة؛ فكلما زادت الروايات البليدة توهجت الروايات المليئة بالأسى والأفكار الجارحة؛ كثيرون تغريهم هجمة القارئ وتهافته على روايتهم التجارية؛ لكن الحصيلة أنهم لا يقطفون سوى الوهم في نهاية المطاف؛ أما الروايات التي تتحصَّن بالمعرفة والوعي ومشاكسة الواقع المرير؛ فتبقى في ذاكرة التاريخ والزمن.

حماس الجوائز
* ما رأيك بالجوائز العربية عامة إذ هناك لغط كبير حولها؟
** الجوائز العربية تختلف مقاساتها؛ كل جائزة لها شخصية تختلف عن الأخرى؛ جائزة البوكر العربية فقدت نكهتها نتيجة عشوائية لجان التحكيم؛ أما جائزة الطيب ـ وليس لأني فزت بها ـ فهي معروفة في نزاهة لجان التحكيم فيها؛ حد أنَّ المسؤول الأول عنها لا يعرف الفائزين بالجائزة؛ إلاّ في لحظة الإعلان عنهم؛ وتبقى الجوائز تثير الحماس لدى الجميع؛ وهي أحد الأسباب بغليان الرواية في أصقاع المحيط العربي.

* هل تعمل الجوائز الأدبية على ازدهار الرواية في نظرك؟
** نعم؛ الجوائز الأدبية هي المحرض الأول لكل كاتب حتى يستفز ويكتب؛ معظم الروايات التي نشرت؛ هي في الحقيقة كانت مشتركة في هذه الجوائز؛ وعندما لا يحالفها الحظ بالفوز؛ يسارع كاتبها إلى نشرها على نفقته الخاصة؛ كرد فعل على خسارته في المسابقة؛ لا أتردد من القول أنَّ الجوائز العربية أغرت الجميع باللهاث نحوها؛ فهي تقدم الشهرة إلى الفائزين على طبق ضوئي وبالمجان؛ غير أن بعض الفائزين في هذه الجوائز؛ شهرتهم أكثر انتشاراً من الجائزة نفسها.

خديعة الرواية
* هل تأثرت بالروائيين العالميين أو العرب؛ أو كيف اهتديت إلى كتابة الرواية؟
** كثيرة هي الروايات التي تأثرت بها؛ مصطفى سعيد في «موسم الهجرة إلى الشمال»؛ جعلني أخرج من خنادق الحرب لأواجه الشظايا كمجنون؛ شخصية رجب في «الشرق المتوسط» لعبد الرحمن منيف؛ كادت تأخذ بتمردي إلى منصة الإعدام؛ ورواية «الساعة الخامسة والعشرون»؛ جعلتني أفكر بالانتحار؛ أما كيف اهتديت إلى الرواية؛ فإن عزلتي في الغربة أرغمتني على مقاومتها في الكتابة؛ وقد اتضحت الرؤيا عندي؛ اكتشفت هنا؛ أني منجم من الألم والأسى؛ وكان لابد من نزفه على الورق؛ قبل أن يلتف حول عنقي ويكتم أنفاسي؛ لقد أرجأت انتحاري بسبب شغفي بكتابة الروايات الآن.. وأشكر هذه الخديعة والإغواء من الرواية؛ التي جعلتني على قيد العذاب حتى اللحظة؛ متى ما انطفأت جذوة الكتابة عندي؛ سأخمد هذه الروح بيدي.



* هل سيتم نشر هذه الرواية، وهل تنوي أنت نشرها في الدار التي تختارها؟
** الرواية مخطوطة؛ فشرط جائزة الطيب صالح أن تكون الرواية مخطوطة؛ وستطبع بنسخ قليلة في السودان توزع على النقّاد والفائزين؛ بعدها يمكن التصرف بها ونشرها كما أريد. ويتم نشر الرواية ضمن تقاليد الروايات الفائزة يطبعها وتوزيعها مع كل دورة جديدة بمعنى توزع مع الدورة العاشرة القادمة. لكنني لم أقرر بعد نشرها؛ لكني سأترجمها إلى الإنجليزية قريباً؛ واشترك بجائزة رفيعة في سدني.

* ما هو رأيك بغليان الرواية العراقية الآن؟
** غيرة الكتّاب من بعضهم؛ وفسحة الحرية المتاحة الآن؛ كثيرون منهم يكتبون روايتهم؛ حتى يلفت نظر زوجته أو حبيبته أو جاره؛ إنه في الواقع كمن يكتب رسالة غرامية كاذبة؛ هذا الغليان في السرد؛ يعود إلى تحسن دخلهم؛ فماذا تعني حزمة دولارات أمام طبع رواية؛ ولذا باتوا يقفون بالطابور أمام دور النشر لطبع تلك الروايات؛ التي هي من المؤسف ليست سوى إرهاصات مفتعلة؛ فما أسهل الكتابة عن الترّهات؛ وما أصعب الكتابة عن الألم، لكن هناك روايات تستحق الإشارة إليها والوقوف عندها.

شظية قديمة
خلال أيامٍ أو بعد ساعاتٍ لا أدري بالضبط؛ سأخضعُ إلى عمليةٍ جراحيةٍ مُعقَّدةٍ؛ ‏لانتشالِ شظيَّةٍ أصابتْ رأسي في حربٍ ماضيةٍ، الشَّظِيَّة بدأتْ توخزُ عَصَباً في الدَّماغ ‏يتحكَّمُ في الإدراك، ربَّما أفيقُ من العملية الخطيرة بلا بصيرةٍ وقد خَمَدَ سراج عقلي إلى ‏الأبد؛ ولذا أطلبُ من الناس الشفقةَ إِذا أبصروني بأسمالٍ رثَّةٍ أشْعَثُ الشَّعْرِ؛ هائماً على ‏وجهي في الشوارع؛ مثلما التمسُ العذر منهم إِذا هجوتُ أحدهم بلا سببٍ وأحرجتهُ في ‏مكانٍ عام؛ فلا عتبَ على مجنون.‎ "مقطع من الرواية"

أعمال وجوائز
ليست جائزة الطيب صالح هي الجائزة الأولى التي يفوز بها حسن النوّاب، بل نال جائزة التميّز الإعلامي فئة العمود الصحفي من الجامعة العربية 2016، وجائزة الدولة العراقية عن مجموعته الشعرية «شريعة النوّاب» عام 2000. وأصدر مجاميع شعرية منها: «أمـَّنْ يجيب البلاد إذا دعته» 2008 عن دار الساقي، بيروت. و«مراسيم شعرية» دار الغاوون 2012، و«أنا هناك حتى يضيء دمي» 1988 بغداد، و«ضماد ميدان لذاكرة جريحة.. استذكارات حرب» عام 1998 عن دار الشؤون الثقافية بغداد. ورواية «حياة باسلة» 2012، مصر، وشغل منصب رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في كربلاء عام 1998- 2000. يقيم منذ 17 سنة في أُستراليا.